في صباح اليوم 18 من إبريل عام 2005، أجرى نائب وزير الخارجية الصيني وو داوي مقابلة صحفية مع الصحفيين الصينيين والأجانب وكذلك مع المسؤولين في المكاتب الإعلامية للسفارات الأجنبية لدى الصين، تلبية لدعوة من المركز الإعلامي للصحفيين الأجانب بالوزارة، حيث قدم عرضا عن زيارة دولة سيقوم بها الرئيس الصيني هو جينتاو لبروناى واندونيسيا والفلبين خلال الفترة ما بين 20 و28 إبريل الجاري تلبية لدعوة من رؤساء هذه الدول الثلاث، ومشاركته في القمة الآسيوية والأفريقية والنشاطات التذكارية بمناسبة مرور 50 عاما على مؤتمر باندونغ في إندونيسيا. وترأس جلسة المقابلة نائب المدير العام لإدارة الإعلام بالوزارة تشين قانغ.
وقال وو داوي إن مساحة جنوب شرقي آسيا حوالي 4,5 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها أكثر من 500 مليون نسمة، وثروتها الطبيعية متوفرة، وقدراتها الكامنة للتنمية كبيرة جدا. وجنوب شرقي آسيا هي منطقة تتمتع بالتعددية الواضحة سؤاء من زاوية القوميات واللغات والأديان والثقافات، أم من زاوية أنظمة الحكم وتكوين المجتمعات والتنمية الاقتصادية. وكانت معظم دول شرقي آسيا تعاني من الحكم الاستعاري في التاريخ، وحققت استقلالها الوطني واحدة بعد الأخرى منذ منتصف القرن الماضي، وبعد ذلك، أسست هذه الدول رابطة دول جنوب شرقي آسيا (الآسيان)، وعلى كل حال، يزداد دور هذه الدول في الشؤون الدولية والإقليمية مع مرور الأيام.
وترجع التبادلات الودية بين الصين ودول جنوب شرقي آسيا إلى التاريخ القديم، فبدأت التبادلات والاتصالات بين الطرفين منذ أسرة هان الملكية الصينية. وكان تشنغ خه المبعوث الأمبراطوري في أسرة مينغ الملكية الصينية يمر دائما بدول جنوب شرقي آسيا وجنوب آسيا، وأجرى تبادلات ودية معها، أثناء رحلاته البحرية السبع إلى وراء بحار الصين، ودون التاريخ كثيرا من قصصه. ومن ناحية أخرى، كان عدد كبير من الصينيين في المناطق الساحلية الصينية هاجروا إلى منطقة جنوب شرقي آسيا على متن المراكب، فنزلوا واستقروا فيها، ثم أصبحوا عضوا من الأسرة المتعددة القوميات المحلية. وإن العلاقات بين الصين ودول جنوب شرقي آسيا بدأت تتحسن وتتطور باستمرار منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتتعزز الثقة السياسية المتبادلة بين الطرفين يوما بعد يوم، وتزداد التبادلات والتعاون بينهما في شتى المجالات بإطراد، ويكون تنسيق وتعاون جيدان بينهما في التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية.
وتحتفظ الصين ودول جنوب شرقي آسيا بتبادلات نشطة جدا بينهما في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتعليمية والثقافية والعلمية والتكنولوجية، كما أقامتا آليات الحوار والتبادل والتعاون بينهما، وبدأت الحوارات والتشاورات بينهما في المجال الأمني تدريجيا. وقد أقامت الصين مع رابطة آسيان علاقات الشراكة الاستراتيجية تجاه السلام والازدهار، وتمت إقامة آلية التعاون 10+1، وبدأت مسيرة بناء المنطقة التجارية الحرة بين الصين ورابطة آسيان. وسجل مبلغ حجم التجارة التبادلية بين الصين ودول رابطة آسيان في السنة الماضية 105،8 مليار دولار أمريكي، فتعد رابطة آسيان الشريكة التجارية الرابعة للصين. كما تزداد زيارات الأفراد بين الطرفين، وأصبحت الصين من أهم مصادر السياح الأجانب لدول رابطة آسيان. وفضلا عن ذلك، تعمل الصين ورابطة آسيان بموقف إيجابي على تنفيذ (( بيان السلوك لمختلف الأطراف على بحر الصين الجنوبي))، وهما تسعيان سويا إلى الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي، فيشهد الوقت الراهن أجمل مرحلة لتطور العلاقات بين الصين ورابطة آسيان منذ التاريخ المدون.
وإن الصين تتبع السياسة الخارجية المتمثلة في "حسن معاملة الدول المجاورة باعتبارها شريكات لها" و"حسن الجوار وتهدئته وإغنائه"، وتولي اهتماما بالغا بتطوير علاقات حسن الجوار والصداقة مع دول آسيان. وتنتمي الصين ودول رابطة آسيان كلها إلى الدول النامية، فيكون بينها كثير من توافق الأراء في عديد من القضايا ومصالح مشتركة. ويعد تعزيز الصداقة والتعاون مع دول رابطة آسيان من السياسات المقررة للحكومة الصينية.
وأكد وو داوي قائلا إن زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو هذه المرة عمل دبلوماسي هام تقوم به الصين من أجل زيادة تقوية الصداقة والتعاون مع الدول الثلاث في جنوب شرقي آسيا ولتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين ورابطة آسيان. وتولي هذه الدول الثلاث غاية الاهتمام بزيارة الرئيس هو جينتاو لها. وسيجري الرئيس هو جينتاو مباحثات مع قادة الدول الثلاث، وسيقابل الشخصيات في مختلف الأوساط لهذه الدول، حيث سيتبادل معهم وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما يرتقي بالعلاقات بين الصين والدول الثلاث إلى مستوى أعلى.
وأشار وو داوي إلى أن العلاقات بين الصين وسلطنة بروناي شهدت تطورا سريعا بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1991. وقد حظيت الصين احتراما وثقة من قبل البلاط الملكي والحكومة في بروناي بفضل انتهاج الحكومة الصينية سياسة المساواة بين الدول الكبيرة والصغيرة. وقد قام سلطان بروناي حسن البلقية بالزيارة الثالثة للصين في شهر سبتمبر العام الماضي، وأحرز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة منجزات مرموقة، كما تزداد التبادلات بينهما في مجالات الثقافة والصحة والدفاع الوطني بإطراد.
وعادت العلاقات الثنائية بين الصين وإندونيسيا بصورة شاملة كما شهدت تطورا واسعا منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1990. وكان الرئيس الصيني هو جينتاو اجتمع مع نظيره الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو في قمة أبيك المقامة في تشيلي السنة الماضية، حيث توصل الرئيسان إلى توافق الأراء الهامة بشأن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين واندونيسيا، وهذا يمتاز بأهمية بعيدة المدى بالنسبة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين ولتطوير العلاقات بين الصين ورابطة آسيان أيضا. وسيوقع الرئيس الصيني هو جينتاو مع الرئيس الإندنيسي سوسيلو على البيان المشترك، ويعلنان فيه رسميا إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما سيتبادلان الأراء بصورة معمقة حول توسيع التعاون بين الجانبين في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلم والتكنولوجيا والاتصالات الالكترونية.
وشهدت العلاقات بين الصين والفلبين تطورا كبيرا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1975. وقامت رئيسة الفلبين غلوريا ماكاباغال ارويو بزيارة دولة للصين مرة ثانية في السنة الماضية بعد إعادة انتخابها، وشغل البلدان قبل غيرهما مسيرة الاستثمار المشترك لبحر الصين الجنوبي، وأحرز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما منجزات مرموقة، وكذلك أقام الجانبان آلية الحوار والتشاور حول أمن الدفاع الوطني. كما ذكرت الرئيسة ارويو أن العلاقات بين الفلبين والصين تمر حاليا بمرحلة نموها الذهبية. سيقوم الجانبان باستعراض لتطور العلاقات بين البلدين على مدى ثلاثين سنة ونيف منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وسيتبادلان وجهات النظر بشأن التعميق الشامل لعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والفلبين، وكذلك سيتبادلان بصورة معمقة حول إجراء التعاون بينهما في ميادين الاقتصاد والتجارة والنقل والمواصلات وبناء المنشآت الأساسية واستثمار الموارد.
واستطرد وو داوي قائلا إن مؤتمر الدول الآسيوية والأفريقية المنعقد في باندونغ بإندونيسيا عام 1955 مؤتمر عقد في ظل جيشان حركات الاستقلال والتحرر الوطنيين في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية عقب الحرب العالمية الثانية، وهو أول مؤتمر دولي هام بين الدول الآسيوية والأفريقية بدون مشاركة الدول الاستعمارية. وتمخض عن هذا المؤتمر روح باندونغ المتثملة في "التضامن والصداقة والتعاون" ومبادئ باندونغ العشرة المتعلقة بعلاج العلاقات بين الدول، بفضل الجهود المشتركة لـ 29 دولة مشاركة في المؤتمر، مما قدم مساهمات تاريخية لدفع التضامن والتعاون بين الدول النامية في آسيا وأفريقيا.
وطرأت تغيرات عميقة في الوضع الدولي الراهن بعد 50 سنة، فأصبح السلام والتنمية والتعاون تيار عصرنا، وتتطور تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية بشكل متعرج، وتتسع الهوة بين الجنوب والشمال، وتتفاقم مشاكل التنمية. مما أتاح للدول الآسيوية والأفريقية النامية فرصا للتنمية وكذلك تحديات خطيرة في نفس الوقت. لذلك، صارت كيفية وراثة وتطوير روح باندونغ في ظل الوضع الجديد، ودفع إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي عادل معقول قضية تهم الدول الآسيوية والأفريقية جميعا.
وقال وو داوي إن القمة الآسيوية والأفريقية عام 2005 ستعقد بالمبادرة المشتركة من إندونيسيا وجنوب أفريقيا، وذلك من أجل إحياء الذكرى الخمسين لمؤتمر باندونغ أولا، ولهدف إجراء المناقشات في تحديد الاتجاهات و المجالات والنطاق لزيادة التضامن والتعاون بين الدول الآسيوية والأفريقية في ظل الوضع الجديد. وعنوان القمة هو "إحياء نشاط روح باندونغ، والعمل على إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين القارتين آسيا وأفريقيا"، سيتم التوقيع على ((البيان حول الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين آسيا وأفريقيا))، ونشر ((البيان المشترك لقادة آسيا وأفريقيا حول تقليل الكوارث)). وتمتاز هذه القمة بكونها مؤتمرا ضخما لقادة الدول الآسيوية والأفريقية بمغزى هامة بالنسبة لتدعيم التضامن والتعاون للدول الآسيوية والأفريقية النامية ولدفع تحقيق السلام والتنمية في القارتين آسيا وأفريقيا.
وإن الصين دولة مشاركة رئيسية في مؤتمر باندونغ عام 1955، حيث قدمت مساهمات هامة في نجاح هذا المؤتمر. كانت الصين ولا تزال تهتم بتطوير العلاقات مع الدول النامية، وتعتبر تعزيز وتطوير التضامن والتعاون مع الدول النامية أساسا لسياساتها الخارجية. وتبقى بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية عرى الصداقة التقليدية المتينة، وكذلك المصالح المشتركة الكثيرة وقاعدة التعاون الراسخة.
إن زخم تطور العلاقات بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية قوي، فيزداد الحوار السياسي والتبادل الاقتصادي والتجاري والتعاون بين الجانبين في شتى المجالات عمقا. وقد أقمنا "منتدى التعاون بين الصين والدول الأفريقية" وكذلك " منتدى التعاون بين الصين والدول العربية". وسجل مبلغ التجارة بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية 462,9 مليار دولار أمريكي في السنة الماضية، وازداد بـ 35.5% مقارنة مع العام الأسبق. ومعظم الواردات من الطاقة والثروة إلى الصين جاء من الدول الآسيوية والأفريقية، وبالمقابل تجري أغلبية الأعمال الاستثمارية للمؤسسات الصينية خارج الصين في الدول الآسيوية والأفريقية. فيكون الجانبان مرتبطا بمصالح مشتركة كثيرة في ميادين دعم التنمية الاقتصادية، وتحسين معيشة الشعب، وصيانة السلام والاستقرار في العالم، ودعم إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي عادل ومعقول.
وأكد ووداوي قائلا إن مشاركة الرئيس هو جينتاو في القمة الآسيوية والأفريقية والنشاطات الاحتفالية للذكرى الخمسين لمؤتمر باندونغ تمتاز بأهمية كبرى بالنسبة لتعميق الصداقة والتعاون بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية. وتستعد الصين لمشاركة جميع الدول الآسيوية والأفريقية في تقديم مساهمات إيجابية في تدعيم التعاون بين الدول الآسيوية والأفريقية للمرحلة الجديدة.
وبعد ذلك، أجاب وزير الخارجية الصيني وو داوي أسئلة الصحفيين.