وزارة الخارجية
جمهورية الصين الشعبية

الكتاب الأبيض حول التنمية السلمية في الصين (النص الكامل)

2011-09-06 17:09

أصدر مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة كتاباً أبيض حول التنمية السلمية في الصين يوم 6 سبتمبر عام 2011، ويأتي النص الكامل كما يلي:

التنمية السلمية في الصين

مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة

سبتمبر عام 2011

فهرس

أولاً، استكشاف طريق التنمية السلمية في الصين

ثانيا، ما هي الأهداف الرئيسية للتنمية السلمية للصين؟

ثالثا، السياسة الخارجية الصينية للتنمية السلمية

رابعا، طريق التنمية السلمية الصينية خيار حتمي للتاريخ

خامسا، مغزى التنمية السلمية الصينية للعالم

إن الصين، بلد يقع في شرق العالم له الحضارة العريقة، ويقطنه 1.3 مليار نسمة من السكان، ويتقدم بخطوات ثابتة في طريق التحديث. وما هو الطريق التنموي الذي تختاره الصين؟ وما هي تأثيرات التنمية الصينية للعالم؟ تكون هذه المسائل محط اهتمام العالم.

أعلنت الصين في مناسبات عديدة للعالم أنها تلتزم بطريق التنمية السلمية. وفي الوقت الذي تتمسك فيه بالتنمية السلمية، تعمل على حماية السلام في العالم وتحقيق التنمية المشتركة والازدهار المشترك لجميع البلدان. في بداية العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين وبمناسبة ذكرى مرور 90 عاماً على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، أعلنت الصين مرة أخرى للعالم بكل جدية بأن التنمية السلمية هي خيار إستراتيجي للصين من أجل تحقيق التحديث والازدهار وطناً وشعباً، وتقديم مزيد من المساهمة في تقدم الحضارة البشرية. وستتبع الصين طريق التنمية السلمية بعزيمة لا تتزعزع.

أولاً، استكشاف طريق التنمية السلمية في الصين

في مسيرة التاريخ الصيني التي تمتد أكثر من خمسة آلاف سنة، صنع أبناء الشعب الصيني من مختلف القوميات بذكائهم الحضارة الصينية الباهرة، وأسسوا بلداً موحداً متعدد القوميات. وتتميز الحضارة الصينية بالاستمرارية والتسامح والانفتاح. وخلال قرون من التبادل مع العالم الخارجي، ظلت الأمة الصينية حريصة على التعلم من الأمم الأخرى وتطوير نفسها، وقدمت مساهمة هامة لتقدم الحضارة البشرية.

في منتصف القرن التاسع عشر، أجبرت القوى الغربية الصين على فتح أبوابها بالبوارج الحربية، ثم انزلقت الصين تدريجياً إلى مجتمع شبه مستعمر وشبه إقطاعي بفعل الاضطرابات الداخلية والعدوان الخارجي، وأصبحت دولة فقيرة وضعيفة يرزح فيها الشعب تحت وطأة الحروب والبؤس. وفي هذا المنعطف المصيري للأمة الصينية، خاض الوطنيون الصينيون جيلاً بعد الآخر نضالات بعزيمة لا تتزعزع وهمة لا تفتر لشق طريق الإصلاح لإنقاذ الوطن من الهلاك. ووضعت ثورة 1911 نهاية للنظام الملكي الدكتاتوري الذي عاشته الصين تحت وطأته لألوف سنين، وشجعت الشعب الصيني على خوض نضال من أجل الاستقلال والازدهار. ولكن فشلت كل هذه الجهود والنضالات في تغيير طبيعة الصين كمجتمع شبه مستعمر وشبه إقطاعي، وتخليص الشعب الصيني من المعانات والبؤس. ومن أجل تحقيق طموحات الشعب، قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب الصيني في نضال شاق، وحقق انتصاراً وأسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 الأمر الذي حقق الاستقلال الوطني والتحرر الشعبي مبشراً بعهد جديد في تاريخ الصين.

منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من 60 عاماً، وخاصة بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من 30 عاماً، ظلت الصين تسعى إلى إيجاد طريق التحديث الاشتراكي الذي يتناسب مع ظروفها الوطنية ومتطلبات العصر. وبالرغم من الصعوبات الجمة، بذل الشعب الصيني جهوداً لا تعرف الكلل والملل بعزم وإصرار لمواكبة العصر واستخلاص دروس نفسه والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تحقيق التنمية، ومواصلة تعميق الفهم لقوانين التطور الاجتماعي البشري، بما يدفع التحسن الذاتي والتنمية للنظام الاشتراكي باستمرار. وبهذا العمل الشاق، وجدت الصين طريقاً تنموياً يتمشى مع ظروفها الوطنية، واسمه طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

من منظور تاريخي أوسع على مستوى العالم، يمكن تلخيص طريق التنمية السلمية كما يلي: يجب على الصين تطوير نفسها من خلال الحفاظ على السلام في العالم، والمساهمة في حماية السلام في العالم بتطورها؛ ويجب عليها الالتزام بالانفتاح على الخارج والاستفادة من تجارب الدول الأخرى تزامناً مع تأكيد الاعتماد على نفسها والإصلاح والابتكار لتحقيق التنمية؛ ويجب عليها السير مع تيار عصر العولمة الاقتصادية والعمل على تحقيق التنمية المشتركة مع الدول الأخرى على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك؛ ويجب عليها بذل جهود مشتركة مع المجتمع الدولي من أجل بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والازدهار المشترك. وإن ما يميز هذا الطريق هو التنمية العلمية والمستقلة والمنفتحة والسلمية والتعاونية والمشتركة.

-- التنمية العلمية. إن التنمية العلمية هي احترام واتباع قانون الطبيعة التي يحكم التطور الاجتماعي والاقتصادي، مع التركيز على البناء الاقتصادي، وتحرير وتطوير القوى الإنتاجية بشكل مستمر. تتخذ الصين نظرية التنمية العلمية مبدأ هاماً لتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر التنمية الأولوية الأولى للحزب في إدارة الدولة والنهوض بالأمة. كما تلتزم الصين بمبدأ "الإنسان أولاً" والتنمية الشاملة والمنسقة والمستدامة، وتأخذ في الاعتبار جميع العوامل لوضع خطط شاملة ومتوازنة. التزاماً بمبدأ "الإنسان أولاً"، تحترم الحكومة الصينية دائماً حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، وتعمل على تلبية الاحتياجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب وتحقيق الرخاء المشترك والتطور الشامل للإنسان، لضمان مبدأ "التنمية من أجل الشعب، وبالاعتماد على الشعب، وتقاسم ثروتها مع الشعب". التزاماً بالتنمية الشاملة والمنسقة والمستدامة، تعمل الحكومة الصينية بالتزامن مع التنمية الاقتصادية على تحقيق التقدم السياسي والثقافي والاجتماعي وتحسين البيئة الأيكولوجية، وتدعم التنسيق بين كل الحلقات والجوانب لعملية التحديث. أما في مجال وضع خطط شاملة ومتوازنة، فتسعى الحكومة الصينية إلى الفهم الصحيح للعلاقات الرئيسية في بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والتعامل معها بشكل لائق، لتحقيق التنمية المتوازنة بين المدن والأرياف وبين المناطق المختلفة، وبين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبين الإنسان والطبيعة، وبين التنمية الوطنية والانفتاح على الخارج.

-- التنمية المستقلة. إن الصين كدولة نامية ذات عدد كبير من السكان، لا بد لها من الاعتماد على نفسها لتحقيق التنمية. فظلت تحافظ على استقلالها وتركز على التنمية المحلية، وتعتمد على جهود نفسها والإصلاح والابتكار لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقاً لظروفها الوطنية، ولا تنقل مشاكلها إلى البلدان الأخرى. وعلى خلفية العولمة الاقتصادية، لا بد للصين من الالتزام بالتنمية المستقلة، إلا، فلا يمكنها المشاركة بشكل أكثر فعالية في تقسيم العمل على المستوى الدولي أو إجراء التعاون المتبادل المنفعة مع دول العالم.

-- التنمية المنفتحة. تعلمت الصين من تجربتها السابقة أنها لا تستطيع تطوير نفسها وراء باب مغلق. وتتخذ الصين الإصلاح والانفتاح كسياسة أساسية، وتقوم بالإصلاح الداخلي والانفتاح على الخارج في آن واحد، وتحرص على الالتزام بكل من الاستقلال والمشاركة في العولمة الاقتصادية والاستفادة من التقاليد الصينية الأصيلة وجميع الإنجازات للحضارات الأخرى. كما تسعى إلى دمج السوق المحلي مع الأسواق الدولية واستخدام كل الموارد المحلية والخارجية واتخاذ موقف منفتح لدمج الصين مع بقية العالم، إضافة إلى توسيع وتعميق إستراتيجية الانفتاح، وتعزيز التواصل والتعاون مع بلدان العالم لبناء نظام اقتصادي منفتح يضمن تفاعلا أفضل مع الاقتصاد العالمي ويتميز بأمنه وكفاءته على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. ولن تغلق الصين باب الانفتاح بل وستنفتح على الخارج أكثر فأكثر.

-- التنمية السلمية. إن الشعب الصيني شعب محب للسلام. ويدرك الشعب الصيني الذي عانى من ويلات الحروب ووطأة الفقر في العصر الحديث يدرك قيمة السلام وأهمية التنمية. يؤمن الشعب الصيني بأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الرخاء والطمأنينة، وإن التنمية هي الطريق الوحيد المؤدي إلى الازدهار والعيش الكريم للشعوب. لذا، فإن خلق بيئة سلمية ومستقرة للتنمية يمثل الأولوية الأولى للدبلوماسية الصينية. وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على تقديم المساهمة المطلوبة للسلام والتنمية في العالم، ولن تشارك في العدوان أو التوسع، ولن تسعى أبداً إلى الهيمنة، وستظل قوة عازمة لحماية السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً.

-- التنمية التعاونية. يوجد في المحافل الدولية دائماً التنافس والتناقض. ويجب على دول العالم الاستفادة من تجربة الآخرين لتحقيق التكامل من خلال المنافسة الشريفة، والبحث عن فرص لتوسيع مجلات التعاون وتطوير المصالح المشتركة. وتلتزم الصين بأسلوب التعاون لتحقيق السلام وتعزيز التنمية وتسوية الخلافات، وتسعى إلى إقامة وتطوير علاقات التعاون بأشكال مختلفة مع الدول الأخرى، وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة من خلال توسيع التعاون المتبادل المنفعة مع الدول الأخرى، وحل القضايا الهامة التي تؤثر على التنمية الاقتصادية في العالم وبقاء البشرية وتقدمها.

-- التنمية المشتركة. يزداد الاعتماد المتبادل بين دول العالم يوماً بعد يوم، فإن تحقيق التنمية المشتركة وتقاسم ثمار التنمية على نطاق أوسع هو الذي يوفر أساساً متيناً وضماناً فعالاً للسلام والاستقرار في العالم، ويحقق التنمية المستدامة لدول العالم. لذلك، فتلتزم الصين بإستراتيجية الانفتاح المبنية على المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وتسعى إلى تحقيق مصالحها والمصالح المشتركة للبشرية جمعاء، وتعمل على تنمية نفسها والدول الأخرى وتحقيق التفاعل الإيجابي بين الأمرين، بما يعزز التنمية المشتركة لجميع الدول. وإن الصين تأمل بكل الصدق أن تعمل سوياً مع الدول الأخرى لتحقيق التنمية والرخاء المشتركين.

بفضل التزامها بطريق التنمية السليمة، شهدت الصين تغيرات واسعة وعميقة، وحققت إنجازات تنموية مرموقة، وقدمت مساهمات كبيرة للازدهار والاستقرار في العالم، وأصبحت أكثر ارتباطاً مع بقية العالم.

إن القوة الوطنية الشاملة للصين نمت بشكل كبير. وبلغ حجم اقتصاد الصين الكلي 5.88 تريونات في عام 2010 بزيادة أكثر من 16 مرة مما كان عليه في عام 1978، وارتفعت نسبته في اقتصاد العالم من 1.8% إلى 9.3%. وأصبح الأساس المادي لعملية التحديث في الصين أكثر صلابة، وأحرزت الصين تقدماً مطرداً في عمليات التصنيع والمعلوماتية والتمدين وبناء الاقتصاد الموجه نحو السوق والعالم، وتتقدم عملية البناء الاشتراكي في جميع المجالات. كما حققت الصين قفزة تاريخية من عدم توفير الأغذية الكافية للشعب إلى توفير حياة ميسورة لشعبها بصورة أساسية، وارتفعت نسبة النصيب الفردي للدخل في الصين على المستوى العالمي من 24.9% في عام 2005 إلى 46.8% في عام 2010. وبالإضافة إلى ذلك، حققت الصين تحولاً تاريخياً من الاقتصاد المخطط المركزي إلى اقتصاد السوق الاشتراكي الديناميكي، وتم تشكيل نظام اقتصاد أساسي يتخذ الملكية العامة كالقوام الرئيسي مع تطوير الملكيات الأخرى. ويتعزز دور السوق الأساسي في توزيع الموارد، ويتحسن نظام الضبط والتحكم الكلي. وتتقدم تدريجياً عملية بناء نظام الضمان الاجتماعي الذي يغطي السكان في المناطق الحضرية والريفية، وتتطور عملية البناء الثقافي والتعليمي والعلمي والتكنولوجي والصحي والرياضي وغيرها من البرامج الاجتماعية على نحو شامل.

إن الصين حققت تحولا تاريخيا من دولة منغلقة أو شبه منغلقة إلى دولة منفتحة في كافة المجالات، من إقامة المناطق الاقتصادية الخاصة إلى فتح المناطق الساحلية ومناطق أحواض الأنهار الرئيسية والمناطق الحدودية والداخلية، ومن استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في الخارج، ومن فتح الأبواب أمام العالم إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وشاركت الصين بنشاط في العولمة الاقتصادية والتعاون الاقتصادي الإقليمي وتصبح أكثر انفتاحا يوما بعد يوم. وازداد حجم الصادرات والواردات من 20.6 مليار دولار عام 1978 إلى 2974 مليار دولار عام 2010. ومن عام 1979 إلى عام 2010، اجتذبت الصين الاستثمارات الأجنبية المباشرة البالغ قدرها 1048.38 مليار دولار. حتى الآن، لقد أسست الصين آلية التعاون الاقتصادي والتجاري مع 163 دولة ومنطقة، ووقعت 10 اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول العالم واتفاقيات حماية الاستثمار مع 129 دولة، واتفاقيات منع الضرائب المزدوجة مع 96 دولة، الأمر الذي يدل على جهود الصين الإيجابية في تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار. في إطار الوفاء بتعهداتها التي قطعتها الصين عند الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، قامت الصين بتخفيض الرسوم الجمركية تدريجيا لتصل في متوسطها إلى 9.8% مقارنة مع 15.3% قبل الانضمام إلى المنظمة، وألغت معظم الإجراءات غير الجمركية. وتعمل الصين على بناء منظومة عامة من العلاقات المستقرة والمتوازنة والمتبادلة المنفعة مع الدول الكبرى وتعزيز التعاون الإقليمي من أجل تقاسم الفرص والتنمية المشتركة. كما عملت الصين على تعزيز الصداقة والتضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى. وازداد الاعتماد المتبادل والمصالح المتشابكة بين الصين ودول العالم، وأصبحت الاتصالات والتعاون بين الصين وبقية العالم أوسع من أي وقت مضى.

إن الصين قدمت مساهمة هامة في ضمان النمو المستقر للاقتصاد العالمي. ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، استوردت الصين ما يقارب من 750 مليار دولار من البضائع من الخارج كل عام، بعبارة أخرى، خلقت أكثر من 140 مليون فرص عمل لتلك الدول والمناطق المصدرة. في العقد الأخير، قامت الشركات الأجنبية في الصين بتحويل 261.7 مليار دولار من الأرباح إلى الخارج بمعدل نمو سنوي يصل 30%. وبين عام 2000 وعام 2010، ازداد الحجم السنوي للاستثمارات الصينية المباشرة غير المالية في الخارج من أقل من مليار دولار إلى 59 مليار دولار، مما أعطى دفعة قوية لعملية التنمية الاقتصادية في الدول المتلقية. في عام 2009، دفعت الشركات الصينية في الخارج ضرائب يصل إجمالها 10.6 مليار دولار ووفرت 439 ألف فرصة عمل للسكان المحليين. وتفوق نسبة مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 10% في السنوات الأخيرة. خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 التي تسببت في انخفاض كبير لقيمة عملات الدول المجاورة، تمكنت الصين من إبقاء سعر صرف الرنمينبي مستقرا نسبيا، مما أسهم في ضمان الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة. ومنذ اندلاع الأزمة المالية الدولية عام 2008، شاركت الصين بصورة فاعلة في جهود مجموعة الـ20 في بناء آلية دولية للحوكمة الاقتصادية، ودفعت إصلاح النظام المالي الدولي، وقامت بتنسيق سياسات الاقتصاد الكلي مع الدول الأخرى، وشاركت في البرامج الدولية لتمويل التجارة والتعاون المالي الدولي، وأرسلت وفود المشتريات الكبيرة إلى الخارج لمساعدة البلدان في وقت الشدة. وتبذل الصين جهودا جدية في تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، وأصبحت الدولة الوحيدة التي تمكنت من خفض عدد الفقراء إلى النصف قبل الموعد المحدد. بالإضافة إلى ذلك، قدمت وتقدم الصين ما في حدود إمكانياتها من المساعدات إلى الدول الأخرى. حتى نهاية عام 2009، قدمت الصين 256.3 مليار يوان إلى 161 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية وإقليمية وقلصت وألغت 380 دينا مستحقا على 50 دولة من الدول الفقيرة والمثقلة بالديون والدول الأقل نموا، وقامت بتدريب 120 ألف شخص للدول النامية الأخرى وأرسلت 21 ألف عامل طبي وقرابة 10 ألف معلم إلى الدول النامية الأخرى. وتشجع الصين بقوة الدول الأقل نموا على زيادة الصادرات إلى الصين، وتعهدت بمنح المعاملة الجمركية الصفرية لـ95% من المنتجات المستوردة من الدول الأقل نموا ذات العلاقات الدبلوماسية مع الصين.

تلعب الصين دورا هاما في صيانة السلم الدولي ومواجهة التحديات الكونية. وإن الصين هي الدولة النووية الوحيدة التي تعهدت علنا بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها أو التهديد باستخدامها ضد الدول غير النووية أو المناطق الخالية من الأسلحة النووية. وأرسلت الصين حوالي 21 ألف شخص في 30 مهمة لحفظ السلام للأمم المتحدة، مما جعلها أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. تشارك الصين بنشاط في التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار، وهي قدمت مساعدات إنسانية وأرسلت فرق الإنقاذ إلى الدول المنكوبة من جراء الكوارث الطبيعية المدمرة وترسل أساطيل السلاح البحري في مهمة الحراسة ومكافحة القرصنة في خليج عدن والمياه قبالة سواحل الصومال. إن الصين عضو في أكثر من 100 منظمة حكومية دولية وطرف متعاقد لأكثر من 300 معاهدة دولية وهي مشارك ومساهم إيجابي في بناء النظام الدولي. والصين هي أول دولة نامية وضعت وبدأت تنفذ خطة وطنية لمواجهة التغير المناخي. والصين أيضا من الدول التي قدمت أكبر الجهود في توفير الطاقة وخفض الانبعاثات وحققت أسرع نمو في تطوير الطاقات الجديدة والمتجددة في السنوات الأخيرة. ولعبت الصين دورا بناء في حل القضايا الساخنة الدولية والإقليمية. مثلا، تدعو الصين إلى حل القضية النووية لشبه جزيرة كوريا وملف إيران النووي والقضايا الساخنة الأخرى من خلال المفاوضات السلمية، وبذلت جهودها في تأسيس آلية المحادثات السداسية بشأن القضية النووية في شبه جزيرة كوريا. وتمكنت الصين من حل القضايا الحدودية التاريخية مع 12 دولة متاخمة برا. وتتمسك الصين بحل النزاعات على الأراضي والحقوق والمصالح البحرية مع الدول المجاورة عبر الحوار والمفاوضات. على سبيل المثال، طرحت الصين مبادرة بناءة بشأن "ترك الخلافات جانبا والسعي إلى التطوير المشترك" وبذلت قصارى جهدها في حفظ السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والمناطق المحيطة بهما. وتسعى الصين إلى تحقيق التنمية والازدهار المشترك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال إجراء التعاون الثنائي والمشاركة في التعاون الإقليمي وشبه الإقليمي.

تدل مسيرة التنمية بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية وخاصة على مدى أكثر من 30 سنة منذ بدء عملية الإصلاح والانفتاح على أن الصين هي عضو هام في المجتمع الدولي ومساهم إيجابي في تعزيز العدالة والإنصاف في النظام السياسي والاقتصادي الدولي.

ثانيا، ما هي الأهداف الرئيسية للتنمية السلمية للصين؟

تهدف التنمية السلمية للصين إلى تحقيق التنمية والانسجام داخليا وتدعيم التعاون والسلام خارجيا، وعلى وجه التحديد، تهدف إلى تحسين حياة الشعب الصيني والمساهمة في تدعيم والتنمية والتقدم للبشرية جمعاء، من خلال جهود الشعب الصيني المضنية في العمل والإصلاح والإبداع والتعايش الودي الدائم والتعاون المتبادلة المنفعة على قدم المساواة مع الدول الأخرى. وقد أصبح ذلك إرادة وطنية للصين وتم ترجمتها إلى الخطة التنموية الوطنية والثوابت السياسية وكذلك الخطوات الملموسة في عملية التنمية والتطوير في الصين .

إن تحقيق التحديث والرفاهية المشتركة للشعب يمثل الهدف الرئيسي للتنمية السلمية في الصين. منذ بدء عملية الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينات من القرن الـ20، اعتمدت ونفذت الصين استراتيجية ذات ثلاث خطوات لتحقيق التحديث. وتقضي الخطوة الأولى بمضاعفة إجمالي الناتج المحلي مرتين مقارنة مع عام 1980 وحل مشكلة الغذاء والكساء. وتقضي الخطوة الثانية بمضاعفة إجمالي الناتج المحلي 4 مرات مقارنة مع عام 1980 ورفع معيشة الشعب إلى مستوى رغيد حتى نهاية القرن الـ20. لقد بلغنا أهداف الخطوتين الأولى والثانية. أما الخطوة الثالثة، فتهدف إلى رفع النصيب الفردي من إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى الدول المتوسطة تقدما وتحقيق الرفاهية والتحديث بصورة عامة وبناء الصين دولة اشتراكية حديثة وغنية وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة بحلول الذكرى الـ100 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في منتصف القرن الـ21. وتتمثل المهمة المحورية لاستراتيجية الخطوات الثلاث في رفع مستوى معيشة الشعب ماديا وثقافيا وتعزيز رفاهية الشعب مع زيادة القوة الوطنية الشاملة، بالإضافة إلى تحمل المسؤوليات والالتزامات الدولية بصورة تليق بإمكانيات الصين الوطنية المتنامية.

إن بناء مجتمع رغيد بدرجة أعلى في كافة المجالات للشعب الصيني البالغ عدده مليار ونيف هدف متوسط وبعيد المدى للتنمية السلمية للصين. بحلول عام 2020، ستتمكن الصين من بناء مجتمع رغيد بدرجة أعلى في كافة المجالات يعود بفوائد وخيرات على أكثر من مليار نسمة، وتحقيق التحديث الصناعي بصورة أساسية وزيادة القوة الوطنية الشاملة على نحو ملحوظ، والنهوض بالصين إلى أوائل دول العالم من حيث إجمالي حجم السوق المحلي. وستزداد رفاهية الشعب الصيني بصورة عامة وتتحسن جودة المعيشة بشكل ملحوظ وتبقى البيئة الإيكولوجية على مستوى جيد. سيتمتع الشعب الصيني بكامل الحقوق الديمقراطية، ويكون أكثر كفاءة علميا وطموحا معنويا. ستستكمل أنظمة ومؤسسات الدولة في الصين ويكون المجتمع الصيني أكثر حيوية واستقرارا وتماسكا. وستكون الصين دولة أكثر انفتاحا وجاذبية ومساهمة في الحضارة البشرية.

إن تنفيذ الخطة الخمسية الـ12 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية هو هدف قريب ومتوسط المدى للتنمية السلمية للصين. في إطار بناء مجتمع رغيد في كافة المجالات، تتضمن الخطة الوطنية الخمسية الـ12 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجمهورية الصين الشعبية مبادئ إرشادية وتصورات وأهداف ومهام وإجراءات رئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الفترة ما بين عام 2011 وعام 2015. في السنوات الخمس القادمة، ستركز الصين جهودها على تحقيق التنمية بصورة علمية والإسراع بتغيير نمط النمو الاقتصادي، وتبذل جهودا في تحقيق الأهداف التالية: ضمان النمو الاقتصادي المستقر والسريع، وتحقيق تقدم كبير في التعديل الاستراتيجي للهيكلة الاقتصادية، ورفع مستوى التكنولوجيا والتعليم بصورة ملحوظة، وإحراز نتائج فعالة في توفير الطاقة وحماية البيئة، ومواصلة رفع مستوى معيشة الشعب، وتحسين الخدمات الاجتماعية بشكل واضح، والمضي قدما في الإصلاح والانفتاح. تحت الجهود المشتركة من قبل الشعب الصيني، سنتمكن من تحقيق تقدم جوهري في تغيير نمط النمو الاقتصادي وزيادة قدرة الصين الوطنية الشاملة وقدرتها التنافسية الدولية وقدرتها على درء المخاطر وترسيخ الأسس الكفيلة ببناء المجتمع الرغيد في كافة المجالات. كما ستجري الصين بنشاط التواصل والتعاون الدولي، وتعمل على توسيع وتعميق المصالح المشتركة بين الأطراف المختلفة من أجل تحقيق التنمية المشتركة لجميع دول العالم.

التحول من حل مشكلة الغذاء والكساء وبناء المجتمع الرغيد ثم إلى النهوض بالصين إلى مصاف الدول المتوسطة تقدما، يعكس النية الاستراتيجية لسياسة التنمية السلمية الصينية. بغية تحقيق هذه الأهداف، تعتزم الصين بذل جهود في المجالات التالية:

-- تسريع تغيير نمط النمو الاقتصادي

نعطي تغيير نمط النمو الاقتصادي الأولوية القصوى. ونتمسك بتحفيز الطلب المحلي وخاصة الطلب الاستهلاكي من خلال زيادة استهلاك السكان بطرق مختلفة، وتعديل وتحسين هيكل الاستثمار المحلي، ودفع عملية التصنيع والتمدين والتحديث الزراعي في آن واحد. ونعمل على تحويل النمو الاقتصادي من الاعتماد على الاستثمار والتصدير فقط إلى الاعتماد على الاستثمار والاستهلاك والتصدير، من الاعتماد على الصناعة الثانية فقط إلى الاعتماد على الصناعات الأولى والثانية والثالثة، من الاعتماد على زيادة استهلاك الموارد إلى الاعتماد على التقدم العلمي والتكنولوجي وتحسين نوعية القوى العاملة والابتكار الإداري. ونعمل على تنفيذ استراتيجية النهوض بالصين بالعلوم والتعليم واستراتيجية تعزيز قوة الصين من خلال تنمية الموارد البشرية لتحويل الصين إلى بلد الإبداع والابتكار. يجب أن نعمل على التجديد الفكري والمؤسسي، ونستفيد من التكنولوجيا المتقدمة والخبرات الإدارية الحديثة من الدول الأخرى لتحسين نوعية وجدوى النمو الاقتصادي.

سنبذل المزيد من الجهود للتخلص من عنق الزجاج في الموارد والبيئة التي تعيق التنمية. سنتبنى مفهوم التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، ونركز على ترشيد استهلاك الطاقة وخفض الانبعاثات، ونسرع بخطواتنا في تشكيل أنماط الإنتاج والاستهلاك الموفرة للموارد والصديقة للبيئة. سنعمل على تطوير اقتصاد إعادة التدوير، وتحسين البيئة، وبناء صناعات الطاقة الحديثة المتميزة بالسلامة والاستقرار والاقتصادية والنظافة، ورفع مستوى تأمين الموارد، وتعزيز التنمية المتناغمة بين الإنسان والطبيعة، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية من جهة والسكان والموارد والبيئة من جهة أخرى. ونعمل على إيجاد عملية التصنيع الجديدة ذات الخصائص الصينية التي تعتمد على العلوم والتكنولوجيا الحديثة والجدوى الاقتصادية العالية والاستهلاك المنخفض للموارد والتلوث الأقل والاستفادة الكاملة من الموارد البشرية. إن النمو الشامل والمنسق والمستدام للاقتصاد الصيني سيفتح آفاقا أرحب لنمو الاقتصاد العالمي.

-- مواصلة استغلال الموارد والأسواق المحلية في الصين

تمتلك الصين الموارد البشرية والمادية الوفيرة والنظام الصناعي المتكامل نسبيا، وتعتمد على نفسها في تحقيق التنمية المستدامة. من المتوقع أنه بحلول عام 2015، سيصل عدد العاملين المهرة في الصين إلى 156 مليون، و15% من القوى العاملة ستكون قد تلقت التعليم العالي، ستبلغ نسبة مساهمة العاملين المهرة في النمو الاقتصادي 32%، الأمر الذي سيوفر القوى العاملة عالية الجودة والوفيرة لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة في الصين. وتتصدر الصين دول العالم من حيث الموارد المعدنية ومساحة الأراضي الزراعية، وحققت الاكتفاء الذاتي في الحبوب الغذائية بشكل أساسي. على الرغم من أن نصيب الفرد للموارد منخفض في الصين، يمكن تقليل اعتماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين على الموارد بقدر الإمكان من خلال التوظيف الكامل لدور السوق في توزيع الموارد والتقدم العلمي والتكنولوجي. ستعمل الصين على الاستفادة الكاملة من مزاياها في قطاعات المواد الخام والمعدات وتصنيع السلع الاستهلاكية لتلبية المطالب المادية للمواطنين وتقديم المزيد من السلع والخدمات عالية الجودة للأسواق الدولية.

إن حجم السكان والاقتصاد في الصين يعني وجود إمكانيات ضخمة في الطلب المحلي. مع التزايد المستمر لنصيب الفرد من الدخل والنمو المطرد في الاستثمار المحلي والتقدم في تنفيذ استراتيجية التنمية الإقليمية، ستظهر في الصين محركات النمو الجديدة وأسواق أوسع. في السنوات الخمس المقبلة، سيتم ترقية هيكل الاستهلاك في الصين، وتوظيف إمكانيات استهلاك السكان. إن حجم السوق المحلى للصين سيكون من أكبر الأسواق في العالم، ومن المتوقع أن يصل حجم الواردات المتراكمة إلى 8 تريليونات دولار أمريكي، الأمر الذي سيخلق المزيد من الفرص التجارية للدول الأخرى.

-- الإسراع ببناء مجتمع متناغم

ستسرع الصين ببناء مجتمع متناغم والتركيز على تحسين معيشة الشعب لترسيخ أسس التناغم الاجتماعي. ستسرع الصين بإصلاح البنية الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة الأساسية وتطوير آليات جديدة للإدارة الاجتماعية ورفع مستوى الإدارة الاجتماعية، وتحسين نظام توزيع الدخل والتأمين الاجتماعي لضمان حق جميع المواطنين في الحصول على التعليم والأجور الملائمة والخدمات الطبية وخدمات رعاية المسنين والسكن حتى يتسنى للجميع المشاركة في تحمل المسؤولية لبناء مجتمع متناغم والاستمتاع بالحياة السعيدة والاستفادة من ثمار التنمية.

سنعمل على تعزيز بناء السياسة الديمقراطية الاشتراكية ودفع عجلة إصلاح البنية السياسية بخطوات ثابتة، وتطوير الديمقراطية الاشتراكية، وتعزيز عملية بناء دولة القانون الاشتراكية، وضمان كون الشعب هم أسياد الدولة. سنلتزم بمبدأ الديمقراطية في الانتخابات وصنع القرار وإدارة شؤون الدولة والرقابة وفقا للقانون، وضمان حق الشعب في الاطلاع والمشاركة والتعبير والرقابة، لتوسيع مشاركة المواطنين المنظمة في الشؤون السياسية. سنلتزم بالمساواة بين كافة القوميات ونظام الحكم الذاتي للأقاليم ذات كثافة سكان الأقليات القومية، وحماية حرية الاعتقاد الديني وفقا للقانون، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان الأساسية وغيرها من الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين.

-- تطبيق استراتيجية الانفتاح القائمة على المصلحة المتبادلة والفوز المشترك

ستواصل الصين الالتزام بسياسة الانفتاح على الخارج باعتبارها سياسة وطنية أساسية للصين وتطبيق استراتيجية الانفتاح القائمة على المصلحة المتبادلة والفوز المشترك. من خلال الاستفادة الكاملة من الظروف المواتية الناتجة عن العولمة الاقتصادية والتعاون الاقتصادي الإقليمي، نسعى إلى تحويل نمط الانفتاح للصين من التركيز على التصدير وجذب الاستثمار الأجنبي إلى إعطاء التوازن بين الاستيراد والتصدير والتوازن بين جذب الاستثمار الأجنبي والاستثمار في الخارج. سنواصل العمل على استكشاف سبل ومجالات جديدة للانفتاح وتحسين النظام الاقتصادي القائم على الانفتاح والرقي بمستوى أداء الاقتصاد المنفتح، وذلك من أجل تعزيز التنمية والإصلاح والإبداع عن طريق الانفتاح على الخارج.

سنسرع في تحويل نمط النمو للتجارة الخارجية ونواصل المشاركة النشطة في تقسيم العمل الدولي. ونسعى إلى تغيير نمط النمو للتجارة الخارجية الذي يركز فقط على الحجم الكبير والسعر الرخيص إلى الاهتمام أيضا بالجودة والفعالية والقدرة التنافسية. سنبذل جهودا كبيرة من أجل تعزيز تجارة الخدمات وتوسيع حجم الاستيراد والاتجاه نحو التوازن العام لميزان المدفوعات في التجارة الخارجية، بينما نعارض الحمائية التجارية ونعالج المنازعات التجارية الدولية بصورة مناسبة.

سنعمل على تحقيق الاستخدام الأفضل للاستثمار الأجنبي من خلال مواصلة تحسين هياكل الاستثمار وتنويع أشكاله وقنواته ورفع جودته. سنسرع أيضا باجتذاب العقول والكفاءات والتكنولوجيا وتوجيه الاستثمار الأجنبي إلى المجالات والمناطق ذات الأولوية. ونحمي الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الأجنبية في الصين ونتبنى موقفا منفتحا تجاه الرأسمال الدولي والتكنولوجيا المتقدمة ونخلق بيئة عادلة ومنظمة للاستثمار. كما نطبق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الملكية الفكرية ونعمل بقوة على رفع قدرتنا على خلق حقوق الملكية الفكرية وممارستها وحمايتها وإدارتها.

سنولي اهتماما أكبر للاستثمار في الخارج والتعاون مع الخارج. نشجع الشركات الصينية بمختلف أنواعها على الاستثمار والانخراط في مشاريع مشتركة بصورة منظمة في الخارج وإجراء التعاون الاستثماري في مجال البحث والتطوير وتنفيذ المقاولات الهندسية وإجراء التعاون العمالي في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، سنوسع التعاون الزراعي الدولي ونعمق التعاون المتبادل المنفعة مع الدول الأخرى في تطوير الطاقة والموارد الأخرى. سنجري مزيدا من التعاون في مشاريع تُسهم في تحسين الظروف المعيشية لشعوب الدول المضيفة وتعزيز قدرتها على التنمية الذاتية. ونطالب الشركات الصينية في هذا الصدد باحترام المعتقدات الدينية والعادات والتقاليد المحلية والالتزام بقوانين الدول المضيفة وتحمل المسؤوليات والواجبات الاجتماعية المطلوبة والإسهام في التنمية المحلية. سنعمل على تحسين هيكل المساعدات الخارجية وتطوير سبلها ورفع فعاليتها.

سنعمل على توسيع انفتاح السوق المالية والقطاعات المالية الصينية على الخارج بصورة منظمة، وإقامة نظام مالي ذي كفاءة عالية وقدرة على درء المخاطر. سنستكمل نظام سعر الصرف العائم والمنظم والقائم على أساس العرض والطلب في السوق ونجعل الرنمينبي قابلا للتحويل تحت حسابات رأس المال بصورة تدريجية. لا تساهم هذه الإجراءات فقط في تسهيل التجارة الخارجية والتعاون الاستثماري المشترك بين الصين والدول الأخرى، بل تساعد أيضا في تهيئة ظروف أفضل لدعم الاستقرار في الأسواق النقدية والمالية الدولية ولتحقيق تطور صحي للعولمة الاقتصادية.

-- خلق بيئة دولية سلمية وتهيئة ظروف خارجية مواتية

تلتزم الصين بتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول على ضوء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. وسنعزز الحوار الاستراتيجي مع الدول المتقدمة لزيادة الثقة الاستراتيجية المتبادلة وتعميق التعاون المتبادل المنفعة ومعالجة الخلافات معالجة سليمة واستكشاف سبل إقامة وتطوير نمط جديد من العلاقات مع الدول الكبرى في العالم من أجل تحقيق تطور مطرد ومستقر وصحي لعلاقات الصين مع هذه الدول. ونتمسك بسياسة حسن الجوار والشراكة وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع الدول المجاورة والدول الآسيوية الأخرى. نحرص على إجراء التعاون الثنائي والإقليمي مع هذه الدول والعمل معها لخلق بيئة إقليمية يسودها السلام والاستقرار والمساواة والثقة المتبادلة وروح التعاون والمنفعة المتبادلة. سنسعى إلى تعزيز التضامن مع الدول النامية الغفيرة وتعميق الصداقة التقليدية وتوسيع التعاون المشترك معها وندعم بصدق الدول النامية لتُحقق التنمية المستقلة من خلال المساعدات الاقتصادية أو الاستثمارات والطرق الأخرى. ونحمي الحقوق والمصالح المشروعة والمصالح المشتركة للدول النامية. نشارك بنشاط في معالجة الشؤون المتعددة الأطراف والقضايا العالمية، ونتحمل مسؤولياتنا الدولية المطلوبة، ونلعب دورا بناء لجعل النظام السياسي والاقتصادي الدولي أكثر عدلا وإنصافا. سنواصل إجراء التواصل والتعاون مع الدول الأخرى على الأصعدة البرلمانية والحزبية والمحلية وفي مجال المجتمع المدني وتوسيع التواصل الشعبي والثقافي مع الخارج لزيادة المعرفة المتبادلة والصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأخرى.

تلتزم الصين بسياسة عسكرية ذات أغراض دفاعية. تمتلك الصين مساحات شاسعة من الأراضي بحدود برية تزيد على 22 ألف كيلومتر وخط سواحل يمتد لأكثر من 18 ألف كيلومتر. تواجه الصين تحديات أمنية معقدة ومتنوعة بعضها تقليدية وبعضها الآخر غير تقليدية، وكذلك تهديدات القوى الانفصالية والإرهابية. لذلك، من الضرورة بمكان دفع تحديث الدفاع الوطني الصيني من أجل صيانة الأمن القومي وضمان التنمية السلمية للصين. ويتمثل الهدف الأساسي لتحديث الجيش الصيني في صيانة سيادة البلاد وأمنها وسلامة أراضيها والدفاع عن مصالحها في التنمية الوطنية. يبقى مستوى النفقات الدفاعية الصينية على مستوى معقول ومناسب ويتماشى مع متطلبات الصين في حماية أمنها القومي. ولم ولن تخوض الصين سباق التسلح مع أي بلد، ولن تشكل تهديدا عسكريا ضد أي بلد. وتلتزم الصين بمبدأ عدم مهاجمة الآخرين إلا إذا هوجمت هي، وتسعى إلى حل النزاعات الدولية والقضايا الساخنة حلا سلميا. كما تجري الصين بنشاط التبادلات العسكرية الدولية وتدفع التعاون الأمني على الصعيدين الدولي والإقليمي وتعارض الإرهاب بكافة أشكاله.

ثالثا، السياسة الخارجية الصينية للتنمية السلمية

إن الصين كعضو في الأسرة الدولية متفائلة من مستقبل العالم، وتلتزم بمبادئ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية التي تتماشى مع التنمية السلمية.

-- بناء عالم متناغم

تهدف السياسة الخارجية الصينية إلى صيانة السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة. تدعو الصين إلى بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والرخاء المشترك، وتعمل مع الدول الأخرى على تحقيق ذلك باعتباره هدفا طويل المدى ومهمة ملحة في آن واحد. من أجل بناء عالم متناغم، يجب أن نبذل جهودا على الأصعدة التالية:

سياسيا، يجب على دول العالم معاملة بعضها البعض على أساس الاحترام المتبادل والتشاور المتكافئ، وتعمل سويا على تعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية. وإن جميع دول العالم، سواء أ كانت كبيرة أم صغيرة، قوية أم ضعيفة، غنية أم فقيرة، أعضاء متساوون في المجتمع الدولي وتستحق الاحترام من قبل المجتمع الدولي. يجب على جميع الدول دعم الدور المركزي للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، والتمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بالقانون الدولي والقواعد المعترف بها في العلاقات الدولية وتكريس روح الديمقراطية والانسجام والتعاون والفوز المشترك في العلاقات الدولية. ويجب ترك شعوب العالم تقرر شؤون بلدانهم في حين يجب معالجة الشؤون الدولية من خلال التشاور المتكافئ بين جميع دول العالم. ويجب احترام وحماية حق الدول في المشاركة في الشؤون الدولية على قدم المساواة.

اقتصاديا، يجب على دول العالم أن تعمل على تعزيز التعاون وتحقيق التكامل لمزاياها النسبية، ودفع العولمة الاقتصادية في اتجاه التنمية المتوازنة والمنافع المتبادلة والفوز المشترك. يجب على جميع الدول العمل على إقامة نظام تجاري متعدد الأطراف منفتح وعادل ومنصف وغير تمييزي، لكي يستفيد جميع الدول من العولمة الاقتصادية. يجب أن تبذل جميع الدول جهودا متضافرة من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة وتمكين جميع الناس من الاستفادة من فوائد التنمية في القرن الـ21.

ثقافيا، يجب على دول العالم أن تحقق الاستفادة المتبادلة وتسعى إلى رؤى مشتركة مع ترك الخلافات جانبا، وتحترم تنوع العالم، وتعمل سويا على تحقيق الازدهار والتقدم للحضارة البشرية. يجب تكريس لغة الحوار والتواصل بين مختلف حضارات العالم لإزالة التعصب الأيديولوجي وعدم الثقة، بما يجعل المجتمع البشري أكثر تناغما والعالم أكثر تنوعا.

أمنيا، يجب على دول العالم أن تثق ببعضها البعض وتُعزز التعاون فيما بينها، وتتمسك بحل النزاعات الدولية عبر طرق سلمية بدلا من الحروب، وتعمل معا على حماية السلام والاستقرار في العالم. يجب اعتماد أسلوب التشاور والحوار لتعزيز الثقة المتبادلة وتقليل الخلافات وتسوية النزاعات بدلا من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.

في مجال حماية البيئة، يجب على دول العالم مساعدة بعضها البعض والتنسيق والتعاون من أجل حماية بيتنا الوحيد- كوكبنا الأرضي. في هذا الصدد، يجب التشجيع على ابتكار نمط جديد للتنمية واتباع طريق التنمية المستدامة وتعزيز الانسجام بين الإنسان والطبيعة. ويجب على دول العالم الالتزام بمبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتفاوتة وتعزيز التعاون الدولي في مجال حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي.

-- التمسك بالسياسة الخارجية السلمية والمستقلة

يتمسك الشعب الصيني بالنظام الاجتماعي والطريق التنموي الذي اختاره بإرادته، ولن يسمح لقوى خارجية بالتدخل في الشؤون الداخلية للصين. وتلتزم الصين بتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ولا تعقد تحالفا مع أي دولة أو تجمع دول، ولا تقرر طبيعة علاقاتها مع الدول الأخرى وفقا للنظام الاجتماعي أو الأيديولوجيا. وتحترم الصين حق الدول في اختيار النظم الاجتماعية والطرق التنموية الخاصة بها بإرادتها، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعارض اعتداء الدول الكبيرة على الصغيرة والقوية على الضعيفة، وترفض الهيمنة وسياسة القوة. وتلتزم الصين بحل النزاعات والخلافات عبر الحوار والتشاور، على ضوء مبدأ السعي إلى الرؤى المشتركة وترك الخلافات جانبا، ولا تفرض إرادتها على الآخرين. وتقرر الصين موقفها وسياستها تجاه قضية بعينها حسب طبيعة الأمر، وانطلاقا من المصالح الأساسية للشعب الصيني والمصالح المشتركة لشعوب العالم. وتقف الصين إلى جانب العدالة، وتعمل على لعب دور بناء في الشؤون الدولية.

تعمل الصين بكل الحزم والعزم على حماية مصالحها الجوهرية التي تشمل سيادة البلاد وأمنها القومي ووحدة أراضيها والوحدة الوطنية، والنظام السياسي الذي ينص عليه الدستور الصيني، والاستقرار الاجتماعي العام والشروط الأساسية لضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

تحترم الصين احتراما كاملا حق الدول المشروع في حماية مصالحها. وفي الوقت الذي تعمل فيه الصين على تحقيق التنمية لنفسها، تضع في اعتبارها الكامل الاهتمامات والمصالح المشروعة للدول الأخرى، ولن تسعى إلى كسب المصالح الأنانية على حساب الآخرين.

تقوم الصين بربط مصالح الشعب الصيني مع المصالح المشتركة لشعوب العالم، وتسعى إلى توسيع المصالح المشتركة مع جميع الأطراف، وتعمل على تكوين وتطوير كتل المصالح المشتركة مع الدول والمناطق الأخرى في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات. وتلتزم الصين بتعزيز المصالح المشتركة للبشرية جمعاء، وتدعو إلى ضرورة استفادة الجميع من ثمار التقدم للحضارة البشرية.

-- تدعو الصين إلى تكريس مفهوم الأمن الجديد القائم على الثقة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتعاون

تدعو الصين إلى تكريس مفهوم الأمن الجديد القائم على الثقة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتعاون، وتسعى إلى تحقيق الأمن الشامل والمشترك على أساس التعاون.

بالنسبة إلى الأمن الشامل، ففي ظل الظروف التاريخية الجديدة، تتشابك التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية، وتمتد قضية الأمن إلى مجالات جديدة، الأمر الذي يتطلب تكريس المجتمع الدولي لمفهوم الأمن الشامل واتخاذ إجراءات متكاملة في معالجة التهديدات الأمنية مع إزالة الأسباب الجذرية لها، وبذل جهود متضافرة لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة التي تواجه البشرية.

بالنسبة إلى الأمن المشترك، ففي ظل العولمة الاقتصادية، تترابط مصائر جميع الدول، الأمر الذي يتطلب جهود دول العالم لتعزيز مفهوم الأمن المشترك، أي ضرورة حماية الأمن لنفسها مع مراعاة الاهتمامات الأمنية للدول الأخرى. ويجب نبذ عقلية الحرب الباردة ولغة المجابهة بين مختلف التحالفات، والعمل على حماية الأمن للجميع من خلال التعاون المتعدد الأطراف، والسعي سويا إلى تجنب النزاعات أو الحروب. ومن الأهمية بمكان التفعيل الكامل لدور الأمم المتحدة في صيانة السلم والأمن الدوليين، وإقامة آلية عادلة وفعالة لتحقيق الأمن المشترك.

فيما يتعلق بتعزيز الأمن القائم على التعاون، ترى الصين أن الحروب والمجابهات لا تؤدي إلا إلى دوامة العنف والعنف المضاد، وأن الحوار والتفاوض يمثلان الطريق الصحيح والفعال الوحيد لحل النزاعات. ويجب على دول العالم السعي إلى تحقيق السلام والأمن والوئام والتناغم من خلال التعاون ومعارضة استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بأتفه الأسباب.

-- تتحمل الصين المسؤولية الدولية بموقف إيجابي

إن الصين كأكبر دولة نامية سكانا في العالم، ترى أن حسن تدبير شؤونها هو بالذات أهم مسؤوليتها تجاه العالم. وإن الصين كعضو مسؤول في المجتمع الدولي تلتزم بالقانون الدولي والقواعد المعترف بها في العلاقات الدولية، وتحرص على تنفيذ التزاماتها الدولية المطلوبة. وتشارك الصين بموقف إيجابي في إصلاح النظام الدولي وصياغة القواعد الدولية ومعالجة القضايا العالمية، وتدعم التنمية في الدول النامية الأخرى، وتعمل على حماية السلام والاستقرار في العالم. وفي ظل تباين الظروف الوطنية والمراحل التنموية لمختلف الدول، يجب على جميع الدول أن تعمل على تحمل المسؤولية الدولية المطلوبة وفقا لمبدأ المواءمة بين المسؤولية الدولية والحقوق والقوة الوطنية، وتلعب الدور البناء في المجتمع الدولي وفقا لقدرتها الوطنية، بما يحقق مصلحتها والمصالح المشتركة للبشرية. وستتحمل الصين مسؤولية دولية بقدر الإمكان مع نمو قوتها الوطنية الشاملة.

-- تلتزم الصين بسياسة حسن الجوار والتعاون الإقليمي

تعمل الصين بنشاط على تعزيز الصداقة والتعاون مع دول الجوار، وتحرص على مشاركتها في بناء آسيا المتناغمة. وتدعو الصين دول المنطقة إلى الاحترام المتبادل وتعزيز الثقة المتبادلة والسعي إلى رؤى مشتركة مع ترك الخلافات جانبا وتسوية الخلافات والمشاكل المختلفة بما فيها المنازعات حول السيادة الإقليمية والحقوق والمصالح البحرية عن طريق التفاوض والحوار والتشاور الودي، بما يحقق السلام والاستقرار في المنطقة. يجب على دول المنطقة تعزيز التبادل الاقتصادي والتجاري والتعاون المشترك وتدعيم عملية التكامل الاقتصادي الإقليمي، واستكمال آليات التعاون الإقليمية وشبه الإقليمية القائمة مع تبني موقف منفتح تجاه مبادرات أخرى للتعاون الإقليمي، والترحيب بقيام الدول خارج المنطقة بدور بناء في تدعيم السلام والتنمية في المنطقة. لا تسعى الصين إلى الهيمنة الإقليمية أو إقامة مناطق النفوذ لها، ولا تسعى إلى إقصاء أي بلد من التعاون الإقليمي. ولا تشكل التنمية والازدهار والاستقرار الدائم في الصين تهديداً لدول الجوار بل هي فرصة لها. ستلتزم الصين كالمعتاد بالروح الآسيوية المتمثلة في الاعتماد على الذات، والإصرار على تحقيق مزيد من التقدم بأفكار خلاقة، والانفتاح والتسامح والتعاون. ستبقى الصين جارا طيبا وصديقا حميما وشريكا متميزا للدول الآسيوية الأخرى إلى الأبد .

رابعا، طريق التنمية السلمية الصينية خيار حتمي للتاريخ

إن السير على طريق التنمية السلمية خيار استراتيجي اتخذته الصين حكومة وشعبا انطلاقا من التقاليد الثقافية الأصيلة للأمة الصينية وتطورات العصر والمصالح الأساسية الصينية، وهو يمثل أيضا متطلبات التنمية في الصين .

-- تعد التنمية السلمية امتداداً لتاريخ وثقافة الصين

تؤمن الثقافة الصينية منذ القدم بأن العالم وحدة متكاملة ومتناغمة، وكان لهذا المفهوم بالغ الأثر على الأمة الصينية فكرا وفعلا، وأصبح إحدى أهم القيم التي يسترشد بها الصينيون في معالجة العلاقات الشخصية والعلاقات بين الإنسان والطبيعة والعلاقات بين الدول .

يؤمن الشعب الصيني منذ القدم بمفاهيم مثل "الوفاق مع الاعتراف بالخلافات"، و"التناغم بين الإنسان والطبيعة"، و"السلام هو المثل العليا"، ويعمل على إقامة علاقات عائلية منسجمة وعلاقات منسجمة مع الجوار وحسن معاملة الآخرين. وتركت ثقافة الانسجام بصمات عميقة في الشخصية القومية للشعب الصيني المحب للسلام. على سبيلا المثال، كان طريق الحرير الذائع الصيت عالميا، طريقا للتجارة والثقافة والسلام، شاهدا على تاريخ الصينيين القدامى في السعي إلى التواصل الودي والتعاون المشترك مع شعوب العالم، بالإضافة إلى الرحلات السبع التي قام بها البحار الصيني المشهور تشنغ خه في أسرة مينغ الملكية إلى بلدان المحيط الهندي، والتي تشمل أكثر من 30 دولة ومنطقة في آسيا وإفريقيا، حاملا معه الثقافة الباهرة والتكنولوجيا المتقدمة للصين وكذلك رسالة السلام والصداقة من الشعب الصيني .

إيمانا بأن المرء يجب أن يكون لديه روح قبول الآخرين مثل البحر الكبير الذي يقبل مئات الأنهار، احتضنت الأمة الصينية كل ما هو مفيد في الثقافات الأجنبية، الأمر الذي ساهم في تلاقح الثقافة الصينية مع الثقافات الأخرى، ولها حكايات كثيرة في التاريخ حول التفاعلات الثقافية بين الصين والعالم. وإن الشعب الصيني يتمتع بالوعي الجماعي القوي والإحساس الشديد بالمسؤولية الاجتماعية. ويؤمن بفكرة "لا نفرض على الآخرين ما لا نريده أنفسنا"، و"نحترم الثقافات المختلفة ووجهات النظر المتباينة"، و"نُعامل الآخرين بالطريقة التي نريد أن نُُعامل بها"، و"لا نفرض إرادتنا على الآخرين". إننا نتعامل مع جميع البلدان الأجنبية بالاحترام، ونقيم علاقات حسن الجوار مع دول الجوار وعلاقات الصداقة مع الدول البعيدة .

إن الشعب الصيني الذي له حضارة تمتد لخمسة آلاف سنة يعمل على المحافظة على التقاليد الأصيلة للأمة الصينية وإضافة أبعاد عصرية جديدة إليها .

-- تعد التنمية السلمية من متطلبات الظروف الوطنية الصينية

لدى الصين تعداد السكان الهائل والقاعدة الاقتصادية الضعيفة، و لا بد للصين من توفير الأغذية لما يقارب 20% من سكان العالم بـ7.9% من الأراضي الزراعية و6.5% من المياه العذبة في العالم، ويتقاسم إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية مليار و300 مليون نسمة، فيعتبر سد حاجات هذا العدد الهائل من السكان في البقاء والنمو تحديا كبيرا للصين. في عام 2010، بلغ النصيب الفردي للناتج المحلي الإجمالي للصين 4400 دولار أمريكي، وذلك يحتل مرتبة الـ100 تقريبا في العالم. وتوجد في الصين مشاكل كثيرة مثل خلل تنموي بين الأرياف والمدن وبين مختلفة المناطق، والخلل الهيكلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونقص الموارد وتلوث البيئة الذي يشكل عنق الزجاج للتنمية، والاعتماد المفرط على الموارد في التنمية، فيعتبر تغيير نمط النمو الاقتصادي مهمة شاقة للصين. وإن الصين ضعيفة في الابتكار الذاتي ومعادلة التقسيم الدولي للعمل والتجارة. وإن مستوى معيشة الشعب الصيني ليس عاليا ونظام الضمان الاجتماعي فيها ليس مكتملا، فما زالت هناك فرق كبير بين الصين والدول المتقدمة.

إن عملية التحديث في الصين تغطي خُمس سكان العالم، ويتطلب إنجازها فترة زمنية طويلة جدا، وخلال هذه الفترة، ستواجه الصين تحديات ومشاكل لا مثيل لها في العالم اليوم، وفي تاريخ البشرية من حيث الحجم ومدى الصعوبة. وستظل الصين بلدا ناميا لفترة طويلة في المستقبل، فلا بد للصين من تركيز جهودها على التحديث والتنمية ورفع معيشة الشعب، وتحتاج الصين إلى بيئة دولية سلمية ومستقرة لإجراء التواصل والتعاون مع البلدان الأخرى. حتى ولو أصبحت الصين قوية في المستقبل، ما زال السلام الشرط المسبق للتنمية، فلا يجوز أن ننحرف عن طريق التنمية السلمية. إن الظروف الوطنية الأساسية والتقاليد الثقافية والمصالح الوطنية الجوهرية والمستقبلية هي العناصر الحاسمة والدوافع الأساسية للتنمية السلمية في الصين.

-- تعد التنمية السلمية خيارا يتماشى مع تيار العصر

إن السلام والتنمية موضوعان رئيسيان لعصرنا اليوم، والسلام والتنمية والتعاون تيار لا يُقاوم في العالم. وفي الوقت الراهن، تتعمق عملية التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية، وترتفع الأصوات المنادية لتغيير النظام الدولي، ويواجه المجتمع الدولي تحديات جديدة متزايدة. وقد أصبح اغتنام الفرص التنموية وإجراء التعاون لمواجهة المخاطر رغبة مشتركة لشعوب العالم.

باتت العولمة الاقتصادية زخما هاما ومؤثرا على العلاقات الدولية. وفي عالم اليوم، تعتمد الدول على بعضها البعض وتتشابك مصالحها، رغم تباين نظمها السياسية وظروفها الوطنية والمراحل التنموية التي تمر بها، وقد أصبحت كتلة مترابطة المصالح والمصائر. لم يعد العالم يتحمل حربا عالمية جديدة، لأن المجابهات الشاملة بين القوى العظمى لا تؤدي إلا إلى خسائر الجميع.

أصبحت التحديات العالمية تهديدا رئيسيا للعالم. تتنامى القضايا الأمنية المشتركة للبشرية، وتزداد التحديات العالمية التي تهدد بقاء البشرية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في العالم، مثل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والأزمة المالية والكوارث الطبيعية المدمرة والتغير المناخي وأمن الطاقة والموارد والأمن الغذائي وأمن الصحة العامة، ولا يستطيع أي بلد أن يحل هذه المشاكل بمفرده، فعلى المجتمع الدولي أن يبذل جهوداً متضافرة لمعالجة هذه المشاكل. إذا فشل العالم في التعامل مع هذه المشاكل السلبية من خلال التعاون الدولي الشامل والمستمر، فسيواجه عقبات كبيرة في تحقيق السلام والتنمية، وربما سيتعرض لكوارث أكبر.

إن عملية التعددية القطبية في العالم تيار لا يُقاوم. تتعاظم قوة دول الأسواق الناشئة والكتل الإقليمية والدول الآسيوية، وتتطور كيانات غير حكومية بأشكالها المختلفة بسرعة، وتتوسع تأثيراتها في ظل العولمة الاقتصادية والمعلوماتية الاجتماعية، وقد أصبحت قوة هامة في دول العالم وعلى الساحة الدولية.

من سابق الدهر عثر ومن غالب الأيام غلب. على المجتمع الدولي أن يتجاوز "لعبة صفرية النتائج"، وعقلية الحرب الباردة والساخنة الخطرة وغيرهما من قوالب العلاقات الدولية التي فات زمانها وزجت بالبشرية إلى أتون المجابهات والحروب مرارا وتكرارا. وعلى المجتمع الدولي أن يعمل بنظرة "كتلة ذات مصير واحد" الجديدة وبروح فريق واحد والتعاون والفوز المشترك، على فتح صفحة جديدة للتواصل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات، وإثراء مقومات المصالح والقيم المشتركة للبشرية، واستكشاف طرق جديدة للتعاون الدولي لمواجهة التحديات المتنوعة وتحقيق التنمية الشاملة. نريد السلام بدلا من الحرب، النمو بدلا من الركود، والحوار بدلا من المجابهة، والتفاهم بدلا من التنافر، وهذا يمثل اتجاه العالم ورغبة الشعوب. عليه، فإن التنمية السلمية في الصين هي خيار لا مفر منه للصين في عصرنا اليوم.

خامسا، مغزى التنمية السلمية الصينية للعالم

إن التنمية السلمية هي الطريق التنموي الجديد الذي اكتشفته الصين باعتبارها أكبر بلد نام في العالم. قد أثبت وسيثبت هذا الطريق مغزاه العالمي مع مرور الزمن. ويتطلب نجاح هذا الطريق الجهود الدؤوبة من الشعب الصيني والتفهم والدعم من المجتمع الدولي.

قد قلبت التنمية السلمية في الصين الطريق التقليدي الذي تسير عليه القوى الصاعدة لتحقيق النهوض، ولن تحذو الصين حذو القوى الكبرى الأخرى التي تمارس الهيمنة عندما تصبح قوية. في تاريخنا الحديث، حققت بعض القوى الصاعدة نهوضها من خلال الاستعمار والصراع على مناطق النفوذ والتوسع بالقوة العسكرية، وذلك وصل إلى ذروته في القرن الـ20، حيث زج التنافس على الهيمنة والمواجهات العسكرية بالبشرية إلى أتون الحربين العالميتين. لقد اختارت الصين بكل جدية التنمية السلمية والتعاون والفوز المشترك كالطريق الأساسي لتحقيق التحديث والمبادئ للمشاركة في الشؤون الدولية ومعالجة العلاقات الدولية، انطلاقا من تاريخها وثقافتها التي امتدت لآلاف سنين، ووعيها لطبيعة العولمة الاقتصادية وتغيرات العلاقات الدولية ومعادلة الأمن الدولي في القرن الـ21 والمصالح والقيم المشتركة للبشرية كلها. لقد أثبتت تجاربها خلال العقود الماضية على أن الصين اختارت طريقا صحيحا، فيجب ألا نغير هذا الطريق.

لقد خلقت العولمة الاقتصادية والثورة العلمية والتكنولوجية فرصا تاريخية للمزيد من البلدان لتحقيق النهضة من خلال التنمية الاقتصادية والتعاون المتبادل المنفعة، مما يجعل عددا متزايدا من البلدان النامية تلحق بقطار النمو السريع. وبفضل ذلك، يتوسع حجم اقتصاد العالم وإمكانيته، وتتعزز قدرة المجتمع الدولي على مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية، وتزداد القوة الدافعة لإحداث التغيير في النظام الاقتصادي العالمي. وتتماشى التنمية السلمية في الصين مع التيار العالمي. إن الصين تأمل وتدعم أن يغير المزيد من البلدان النامية مصائرها، كما تأمل وتدعم أن تواصل البلدان المتقدمة نموها وازدهارها.

في عالمنا اليوم الذي يشهد تغيرات هائلة، يكون جميع المذاهب والنظم والأنماط والطرق على محك الزمن والتطبيقات. على خلفية تباين الظروف الوطنية في مختلف البلدان، لا يوجد النمط الأفضل أو الأنفع أو النمط الصالح للجميع، بل يوجد فقط النمط الأكثر مواءمة للظروف الوطنية. وتم اكتشاف الطريق التنموي الصيني انطلاقا من ظروفها الوطنية. وتعي الصين جيدا أهمية التنمية السلمية وضرورة التمسك بها لمدة طويلة، وتعي أيضا التغيرات العميقة والمعقدة التي طرأت على بيئتها الوطنية والدولية، عليه، فستولي الصين اهتماما أكبر لاستخلاص واستغلال تجاربها الناجحة والاستفادة من التجارب الصالحة للبلدان الأخرى ودراسة المشاكل والتحديات الجديدة التي تعترض طريقها إلى الأمام، بما يفتح آفاقا أرحب للتنمية السلمية.

لا تستطيع الصين أن تتطور بمعزل عن العالم، ولا يستطيع العالم أن يحقق الاستقرار والازدهار بدون الصين، لو لا التعاون الودي مع دول العالم، لما حققت الصين الإنجازات التنموية، وتحتاج الصين إلى المزيد من التفهم والدعم من المجتمع الدولي لتحقيق التنمية في المستقبل. نشكر دول العالم وشعوبها التي تفهمت واعتنت ودعمت وساعدت الصين على تحقيق التنمية. يعتبر طريق التنمية السلمية للصين التي يفوق تعداد سكانها مليار نسمة تجربة عظيمة ورائدة في تاريخ البشرية، فمن المستحيل أن يبلغ مستوى الكمال، فنرحب باقتراحات ودية وانتقادات ذات نوايا حسنة. ونأمل بصدق من المجتمع الدولي أن يزيد من معرفته لتقاليد الحضارة الصينية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، ويحترم حرص الشعب الصيني على السيادة والأمن وسلامة الأراضي والاستقرار الاجتماعي لبلاده، ويقدر الصعوبات التنموية التي تواجه الصين كأكبر بلد نام، ويتفهم رغبة الشعب الصيني الشديدة في التخلص من الفقر وتحقيق حياة رغيدة. ونأمل من المجتمع الدولي أن يثق بجدية وعزيمة الشعب الصيني على التمسك بالتنمية السلمية، ويدعم الصين في تحقيق التنمية السلمية، بدلا من عرقلتها.

عندما نستعرض الماضي ونستشرف المستقبل، نؤمن بأن الصين التي يسودها الازدهار والتنمية وسيادة القانون والانسجام والاستقرار، ستقدم بالتأكيد مساهمة أكبر للعالم. وإن الشعب الصيني على استعداد لبذل جهود دؤوبة ومشتركة مع شعوب العالم لخلق مستقبل أفضل للبشرية كلها.

 ???? ??? ????     ?????
Related News:

رقم 2 الشارع الجنوبي ، تشاو يانغ من ، حي تشاو يانغ ، مدينة بكين رقم البريد : 100701 التليفون : 65961114 - 10 - 86 +